مرحلة المراهقة هي الفترة التي يتم فيها الانتقال من مرحلة ا لطفولة إلى مرحلة الرشد وتعد من أصعب مراحل الانتقال، حيث تحدث فيها تغيرات فسيولوجية سريعة في النمو جسميًّا وعقليًّا ويصاحبها مشاعر نفسية كثيرة مختلطة، ومن أهم هذه المظاهر الرغبة في الاستقلال وإثبات الذات، وقد يصل ذلك إلى حد التمرد على الأسرة ورفض تعاليمها وكثير ما تلجأ الفتاة المراهقة إلى العناد لشعورها بأنها قد نضجت وكبرت على أن تعامل كصغيرة لازالت تخضع لرقابة وتوجيه الأسرة.
ورغم رغبتها هذه في الاستقلال إلا أنها لم تصل إلى حد النضج والإدراك الكافي لتناول وتقدير المواقف التي تتعرض لها ولا تزال في حاجة للتوجيه، ولكن بأسلوب يختلف، لذلك على الأسرة أن تواجه رغبتها في الاستقلال والتمرد والعناد بإعطائها الفرصة والحق في التعبير عن نفسها وعدم فرض السيطرة عليها، وأن تكون الأم بجانبها كصديقة تتفهم مشاعرها وتقلل من النقد، ويكون التوجيه بصورة غير مباشرة حيث أن ذلك يشعرها بالحب والاهتمام، ومن ثم يساعد على تدعيم الشخصية السوية لديها. كما يمكن للأسرة أن تضع ضوابط وحدود معقولة على سلوك المراهقة وتتخذ موقفًا نحوها يتسم بالحب والتفهم، فذلك يساهم في نضجها ويستجيب لكثير من احتياجاتها النفسية، ويساعد على تكوين صورة إيجابية لنفسها ومكانة بين الآخرين تستمدها من خلال نظرة الآخرين لها، فهي بحاجة على معرفة موقف الكبار ورضاهم عنها والاعتراف بمكانتها، فهذا يوفر لها فرص الاستقرار وتقبل دورها في الحياة، فإن عدم وجود دور واضح يؤثر على سلوكها.
وأخيرًا فمن الأهمية أن يكون الوالدان في سلوكهما وتصرفاتهما مثالاً لتحقيق المثل العليا التي تستمدها الابنة المراهقة منهما وتحتذي بها في سلوكها.
خصائص النمو لدى الطالبات في مرحلة المراهقة وأسلوب التعامل معهن
كثير من المعلمات والمربيات يشتكين من صعوبة التعامل مع المراهقات وصعوبة توجيههن، بل إنَّ عددا من الأمهات يتألمن كثيراً، حيث إنَّ ابنتها نشأت نشوءاً حسناً، قد ربتها على الأدب والخلق، ولكن البنت فاجأتها في مرحلة المراهقة بسلوكيات غريبة وأفكار عجيبة وتمرد على البيت والأسرة والمدرسة.
وهذا قد يكون نتيجة لعدم المعرفة بالمرحلة العمرية التي انتقلت إليها وأسلوب التعامل معها بما يناسبها.
ولأهمية الموضوع فقد رأيت طرح ما يأتي:
1 ـ معنى المراهقة.
2 ـ نماذج من الهدي النبوي في التعامل مع المراهقين.
3 ـ خصائص النمو لدى الطالبات في مرحلة المراهقة وأسلوب التعامل معهن.
4 ـ توجيهات للتعامل مع الطالبات.
أرجو الله أن يبارك في الجهود وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، والله الموفق
معنى المراهقة
يمر الأبناء والبنات بمرحلة عمرية مهمة هي مرحلة المراهقة، وقد وردت في لسان العرب معان كثيرة لكلمة رهق، ومنها: راهق الغلام، أي قارب البلوغ والمراهقة، وهي الفترة بين البلوغ ومرحلة الطفولة، وهي الفترة ما بين الثانية عشرة إلى الحادية والعشرين، وهي مرحلة يكتمل بها نمو الأعضاء المختلفة، فهي مرحلة نمو شامل لجميع أجهزة الجسم، يقول الله سبحانه وتعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} (الروم:54).
يقول ابن كثير في تفسير الآية: "ينبه تعالى على تنقل الإنسان في أطوار الخلق حالاً بعد حال، فأصله من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ثم يصير عظاماً ثم تكسى العظام لحماً وينفخ فيه الروح ثمَّ يخرج من بطن أمه ضعيفاً نحيفاً ثمَّ يشبّ قليلاً قليلا حتى يكون صغيراً ثمَّ حدثاً ثمَّ مراهقاً ثمَّ شاباً ـ راشداً ـ وهو القوة بعد الضعف، ثمَّ يشرع في النقص فيكتهل ثم يشيخ ثمّ يهرم، وهو الضعف بعد القوة، فتضعف الهمَّة والحركة والبطش وتشيب اللمة وتتغيَّر الصفات الظاهرة والباطنة".
وقد بالغ عدد من الباحثين إذ اعتبروا مرحلة المراهقة فترة طيش وسفه وتهور، وهذا غير صحيح، فرغم ما يحدث في مرحلة المراهقة من تغيرات يصحبها آثار نفسية وسلوكية مختلفة، بعضها ناتج عن تغيرات عضوية، وبعضها ناتج عن إهمال في التربية أو استخدام أساليب تربوية غير سليمة، إلا أنَّها تمر لدى كثير من المراهقات وهن على مستوى سلوكي جيد ومستوى تحصيلي متميز.
ويحفل التاريخ الإسلامي بنماذج عديدة أثبتت: أنَّ الشباب في مرحلة المراهقة يمكن أن يعطوا عطاء متميزاً، ومازالت هذه النماذج تتكرر في هذا العصر، فكثير من حافظات القرآن الكريم وكتب الحديث والسير ومن يحضرن دروس العلم في المصليات هن من الشابات اللاتي في سن المراهقة، كما أنَّ عائشة رضي الله عنها كان الصحابة يرجعون إليها في عدد من المسائل الشرعية. ومن ثم فلا ينبغي أن يبرر كل انحراف من الشباب والشابات بأنه نتيجة لمرحلة المراهقة، أو أن يقرّ المربون الشابات على الوقوع في المخدرات والشهوات والتقليعات الغريبة. بل لا بدّ أن يوجه الشباب والشابات توجيهاً سليماً يتناسب مع طبيعة المرحلة التي يمرون بها والتي سوف نبين شيئاً منها.
نماذج من الهدي النبوي في التعامل مع المراهقين
عن سهل بن سعد رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه واله أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: "أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال: لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحد. فتله رسول الله صلى الله عليهواله في يده" ().
موقف الشاب الذي رغب في أن يأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم في فعل فاحشة الزنا، فما كان من النبي صلى الله عليه واله إلا أن عقد معه جلسة حوارية تصحيحية تخللتها مجموعة من الأسئلة والردود عليها والتعقيبات على الردود:
أسئلة النبي صلى الله عليه واله
"أتحبه لأمك؟"
"أفتحبه لابنتك؟"
ردود الشاب عليها
لا والله جعلني فداك
لا والله جعلني فداك
تعقيبات النبي عليه السلام على الردود
ولا الناس يحبونه لأمهاتهم
ولا الناس يحبونه لبناتهم
توجيهات للتعامل مع البنات المراهقات:
إنَّ ما تبذله الأخوات المعلمات والمربيات من جهود لتربية بنات المسلمين أثمرت ثماراً يانعة، ولله الحمد، وخرجت أجيالاً من الصالحات والداعيات والمربيات.
والأمة في حاجة إلى مزيد من الجهود لكي يرتقي مستوى العطاء، ولكي يتجاوزوا عصرهم الذي تكالب فيه أعداء الإسلام على بنات المسلمين.
أولاً: لقد سبق شرعنا المطهر في توجيه المربيات إلى الرفق بالمدعوات وتحري الحكمة في ذلك واختيار العبارات المحببة إلى النفس. يقول سبحانه وتعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..} (النحل:125).
لذا ينبغي أن تستخدم المربيات الأساليب التربوية المناسبة، وأن لا نتساهل في توجيههن إلى الالتزام بطاعة الله والمحافظة على العبادة، وأن نكون قدوة حسنة لهن في ذلك.
وقد تفنن أعداء الله في استغلال تأثير الأسلوب لجذب الشباب والفتيات إلى ألوان من الانحراف والمعاصي والمنكرات، وبعض المربيات والأمهات يقطبن جبينهن ويستخدمن أغلظ الألفاظ في التخاطب مع أبنائهن وتوجيههن.
ثانياً: المراهقة تحتاج إلى أحد يسمع لها وينصت إلى معاناتها التي ترى أنَّ لا أحد يقدرها ولا يهتم بها؛ لذا ينبغي أن تهتم المربيات بذلك، حيث إنَّ المراهقة تحب المصارحة ويمكن أن تبوح بكل ما لديها وتتقبل التوجيه ممَّن تحس أنه يهتم بها ويسمع لها.
ثالثاً: تحتاج البنات في هذه المرحلة إلى من يظهر لهن الحب والحنان ويحتضنهن ويقبلهن، ولا يعذر الآباء والأمهات بانشغالهم بالعمل أو كبر أبنائهم وبناتهم بعدم إظهار الحب لهم، فإنَّ ذلك يسبب فراغاً كبيراً، وقد يكون سبباً لسعي الفتى أو الفتاة إلى الآخرين لكي يسمع ـ تسمع ـ منهم عبارات الحب والتقدير، ومن ثم يكون لهم نتائج سلبية على سلوكهم.
رابعاً: المراهقة تكون انتقلت من الفردية وأصبحت اجتماعية تحب الخلطة وتندفع إلى الرفقة، فمن المهم ربطهن برفقة صالحة في المصليات يكتسبن منهن الخلق والآداب.
خامساً: عدم التركيز على أسلوب التوجيه المباشر والمحاضرات إلى أسلوب الحوار والمناقشة التي تشبع حاجات المراهقات وتجيب عن أسئلتهن.
سادساً: تصنيف الطالبات حسب قدراتهن العملية وتقديم التوجيه الذي يناسبهن ويثري جوانب الاهتمام لديهن، واختيار المبدعات ورعايتهن حسب جوانب إبداعهن.
سابعاً: ينبغي أن تلاحظ المعلمات الجوانب السلوكية والقصور لدى الطالبات ومعالجتها وتوجيه النقد إلى السلوك نفسه، وليس إلى شخصية الطالبة؛ لأنَّها تتضايق من كثرة اللوم والتوبيخ أو توجيه الأسئلة المباشرة لها.
ثامناً: المراهقات يحببن من يفتح المجال لهن لتحقيق ذواتهن ويشركهن معه في المهام المناسبة لهن ويشعرهن أنهن مهمات لكي يتفاعلن ويندمجن معه.
_________________
هذا هو اليوم صوتي معاكم
ويمكن بكرة يغيب عن مسامعكم
أعذروني لو في يوم كسرت خواطركم
أو بكلمة جرحت مشاعركم